غربة الكلمات

حتى الأحلام أصبحت متعبة، و همُ الجفون أن تنام
صارت الأوراق صماء و الكلمات بكماء
جفت الأقلام، يئست و استسلمت لطغيان الصمت الذي يتردد كما الأصداء
ما أقسى الصمت حين يتآكل الصدور و يتمكن من مخبآتها
فيقتل الآلام و يسكن الأفراح و يحيط بالنفوس كما الأمواج المستقدرة على الزوارق الصغيرة
ما أصعب سجن الكلمات و حبسها خلف قضبان الصمت
فلا يسمع لها أنين و لاضحكات
اشتاقت إلى تلك النافذة من حيث كانت تنطلق لتلامس العشب
حتى إذا بدأت الظلال تغمر لونه الأخضر، تنطلق من جديد عبر الممرات الفارغة
فتنشر عبيرا طبعته الفصول الجميلة على أحرفها
وتملأ الدنيا ألحانا ساحرة و أغاني بطعم الطفولة، لتستقربين الطيور على الحائط البرتقالي
محدقة في عيون الغروب ... و كم كان جميلا
و هكذا حين كنت أخرج كل صباح، و أمر بتلك الممرات
كانت تستقبلني بوصلات من تلك الموسيقى العذبة
و حين أنظر إلى العشب، تتردد على مسمعي كلمات تلك الأغنية البيضاء
...
كانت الليالي مشرقة، كأنما الصباح أعارها نوره
و كان النهار هادئا كمن يستمد السلام من ضوء القمر
و حين تنطفىء الأنوار و يصبح الليل أكثر قتامة
كانت تلك الكلمات تؤنسني و هي تنسج الأحلام من خيوط الأمل
...
تلك الكلمات أصبحت سجينة تطفو في فضاء قلب غريب
بين أطياف الماضي غير البعيد
فلا الأحرف تجسدها
ولا الألحان تفهمها
ولا الأغاني تتبناها